بَـرْق المَـدَد بعدَد وبلا عَدَد
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
العلامة السوداني عبد الله الطيب:
بَـرْق المَـدَد بعدَد وبلا عَدَد
إنه وفاءً وعرفاناً للعبقرية السودانية نفتتح نافذة: (قرأت لك) بهذا السفر العرفاني الرائع والأدبي الرصين الذي خطه يراع العالم العلامة والحبر الفهامة عالم اللغة والأدب المفكر السوداني البروفيسور عبد الله الطيب، وقد سماه: (برق المدد بعدد وبلا عدد). ونحن هنا قبل أن نقتطف جزءاً من هذا السفر العظيم يطيب لنا أن نورد مقدمة مؤلفه كاملة لما اشتملت عليه من تعريف وافٍ بهذا الديوان.
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وله الحمد أولاً وأخيراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وبعد ففيما يلي أيها القارئ الكريم قصيدتي التي سميتها "بَرْق المدد بعدَد وبلا عدَد" وهي قصيدة نبوية، فيها تعبير وتفكير في أحوال الإسلام والمسلمين والمجتمع والحضارة والتاريخ والعصر، ومنبعثة ، إن شاء الله، مع ذلك كله ومن فوقه كله، من محبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، وصحبه الأبرار من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأسأل الله التوفيق والقبول إنه سميع قريب مجيب.
وقولي "بَرْق المَدَد" فيه إشارة إلى منظومتين جعلتهما نموذجاً وتأثرت بروح أنغامهما. وهاتان المنظومتان هما: "سردُ المدد والشُّـهود" للشيخ محمد المجذوب بن قمر الدين رضي الله عنه و "البرَّاق" للسيد محمد عثمان الختم الميرغني رضي الله عنه. وكلتاهما من مجموعات مرتبة على الحروف الهجائية. كل مجموعة منها تشتمل على عدد من القطع، كل قطعة منها فيها خمسة أشطار، أربعة منها بقافية واحدة والشطر الخامس ملتزم في كل مجموعة حرفاً من حروف الهجاء، بحسب ترتيبها الهجائي يجعله قافية. وأحسب أصل هذا النظام الخماسي من تخميسات العشرينات للفازازي والوتريات صاحب سلامٌ سلامٌ لا يُحدُّ انتشاره - والوتري والفازازي كلاهما يلتزم حرفاً هجائياً واحداً في أول البيت وفي قافيته. ومن ذلك أخذ الإفرنج ما يسمونه قافية الرأس. ويحسب بعض الجهلاء أن أصل قافية الرأس والجناس الداخلي منشؤه من تي أس إليوت. "من يهدِ اللهُ فهو المهتدِ ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً" (سورة الكهف الآية 17).
وأما قولي "بعدَد وبلا عدَد" فأردتُ به أن مجموعات منظومتي وهي تسع وعشرون كل مجموعة منها ذات قطع تلتزم في شطرها الخامس حرفاً هجائيا واحداً بدءاً بالهمزة وانتهاءً بالياء. لم ألتزم فيها في كل مجموعة بنفس العدد من القطع، فقد تكون فيها سبع قطع، وقد يكون فيها أكثر من ذلك. فالعدد سبع وما زاد عليه فهو خروج منه، ولم أجئ بأقل من سبع قطع في المجموعة الواحدة.
وهذا الصنف من النظم كله من باب لزوم ما لا يلزم، وهو في العربية قديم، وللمعري فيه باع طويل من ذلك كتابه اللزوميات وملقى السبيل.
هذا والنظم على مجموعات خماسية أو تزيد اسمه التسميط، وهو أيضاً قديم، وقد نسبوا منه أشياء إلى أمرئ القيس أنكرها المعري على لسانه في رسالة الغفران أيّما إنكار، مثل:
يـا قـوم أن الهــوى إذا أصاب الفـتى
في القلب ثم ارتقى فهدَّ بعض القوى
فـقـد هـوى الرجـل
وقد أكثر شعراء التصوف والمديح النبوي من التسميط لحلاوته في النشيد والنغم. ومن أجل ذلك خمَّس حذاقهم، وسبَّعوا وتسَّعوا جياد المدائح كالبردة والهمزية.
هذا وسرد المدد والشهود للشيخ المجذوب رضي الله عنه ينشد أهلنا مختارات من قطعه في ليلتي الجمعة والاثنين وغيرهما من مواسم تعبدات الطريقة الشاذلية وأذكارها كقوله مثلاً:
جمالُك يا طه جمالٌ محيِّرٌ
وكقوله:
وحاشا إلهُ العالمين يرُّدنا
"تكتب حاشا بالألف محاكاة لرسم المصحف في قراءة إبي عمرو".
وكقوله:
"مقدم جيش المرسلين رسولنا"
وهذه قطعة "السفينة" التي يسير بها الشاذلية في المواسم ولها رنة نغم حيَّة حماسية. وفي بعض قطع المدد يَـفْـتَـنُّ حُذاق المنشدين بنغم سواكني بجاوي الأصل رشيقٍ عميق.
أما البرّاق بتشديد الراء فأناشيده معروفة في الطريقة الختمية. وقد سمعت أناشيد الختمية منذ نشأة الصبا في مدينة كسلا، وفي أيام المدرسة ببربر الوسطى، وفي بلدنا الدامر في الحوليت، والمولد ، وفي ليلتي الجمعة والاثنين وغيرهما من مواسم العبادة والذكر، وأذكر إذ سمعت الخليفة محجوب رحمة الله عليه في أصحابٍ له ينشدون من قطع البراق:
على المصطفى والآل والصحب دائما
صــلاة تفـوق المـســك عطـراً مفخما
يطــيب بهـــا كــــل الوجــود ويتلألأْ
عند تربة والدى الشيخ الطيب رحمه الله قبل أن ينهال التراب، ولهم بذلك نغم حزين لا يزال له في نفسي صدى حزين. وقد أشرت إلى ذلك في قصيدتي "عرّج على جوسَ" في كتابي "من نافذة القطار".
ولقد أذكر حضوري جنازة اللواء عمر الحاج موسى رحمه الله رحمة واسعة.
جاء رجال من الجيش بضبطهم وربطهم وشيّعوا جثمانه بطلقات نارية عسكرية. ثم جاء الخلفاء بالبرّاق فوقفوا عند التربة مثل وقوف الخليفة محجوب وأصحابه عند تربة الوالد رحمهم الله جميعاً. فكان لنشيد الخلفاء عندي وقع أشجَى وأبكَى وأشد ملاءمة للموقف.
أسأل الله أن يضفي علينا ستره الجميل، وأن يحفظنا ويحفظ سائر بلد المسلمين من الوباء وسوء البلاء ومكر الأعداء، ومن فتنة المسيح الدجال، الذي إنما هو هذا العصر الحديث، أو كأن هذا العصر الحديث من بعض علاماته. لعنة الله عليه.
أسأل الله أن تكون هذه المنظومة التي أضعها الآن بين يديك أيها القارئ الكريم من العمل الصالح والكلم الطيب الذي يرفعه، وأسأله جلّ جلاله أن يجزي جامعة إفريقيا العالمية خير الجزاء. فقد أسدت إلىَّ ممثلة في مديرها النابه النبيل الأريب الأديب العلامة الدكتور عبد الرحيم علي، وفي زملائه الأساتذة والعلماء الغر الميامين، يداً بيضاء وأعجز كل العجز عن الوفاء بحق شكرها، من طبع هذا الكتاب والإشراف على ذلك وتحمل تكلفته، إن ذلك لعطاء جزيل جليل.
والحمد لله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
عبد الله الطيب
في 6 ربيع الأول من سنة 1417هـ
الموافق 20 / 7 / 1996م.
برق المدد بعدد وبلا عدد
مع الحمـد باسم الله ذا النظم افـتـتِحْ نصلي عـلى الهــادي نســلِّـمُ نمـتدِحْ
رســــولاً بـه رب الهـداية مُـتَّضِـحْ ولـيس بـلا حــــب لـه دينُـنا يَصِــحْ
ونـحـــن بـه مـن سُـــقْــمٍ ســـنَـبْـرأُ
* * *
بحــب رســـول الله قـلـبيَ عـامِـــرُ وحــبُّ رســـول الله قــلـــبي غامِـرُ
بحــب رســــول الله تُتلَى الـدفــاترُ ونـحــن بـه فـي كــــل فَـجٍ نُـسـافــرُ
ونحــن عــلـى الأعـــدا بـه نتَجـرّأُ
* * *
بحــب رســول الله ســيفي قـاطــعُ بـه أنـا أغـــزو وهــو عـني يـدافــعُ
وحب رسـول الله في الحـرب نافع وفي السِّلم نورٌ منه في القلب ساطعُ
وفــي هــذه الـدنيا بـه الشـــر أدرأُ
* * *
حـببتُ رسول اللهِ مـن أول الصـبا وحــب رسـول الله قلبي به قـد سـبا
بحـب رسـول الله أهــلاً ومـرحـبا رمـــيت به الأعـدا فـصــاروا هَــبا
وشِعْرِي في مدْحيِ له سوف يُقرأُ
* * *
نصـلي على الهـادي النبي نُسـلمُ بحــب رســول الله نُحْــبَى ونُـكْــرَمُ
نَـوْمٌ به القــبرَ الشــريفَ نُـتَـمِّــمُ به عُـمْـرَةً مــن ذي الحُـلَيْفَةِ نُحْــرِمُ
ولا شـئَ كالإيمـان أهــنا وأمـرَأُ
* * *
إلى الله في كـل الأمـور أُفـوِّضُ وبالله صَــــرْحَ القاســطـين أُقــوِّضُ
ويُلفَى مُعـادينا يُهـانُ ويُـبْـغَـضُ وحُجَّــتُه تُـطْـوَى عــلـيه وتُـدْحَــضُ
ومنه الأخِــلا كـلُّهــم قـد تَبرأوا
* * *
شــهــدنا بـأنَّ اللهَ ربّ نُـوَحِّـــدُ وأنَّ إمــــامَ المــرســــلـين مـحـمــدُ
ومـلتنا الإســلام والبيت مَسجِدُ لنا قـــبلةٌ والـبـعــث للناس مــوعِــدُ
وداراً بِسِـوى الإسـلام لا نتبوأُ
................................................................................................................................
حرف الباء
....................................................................................................................................
بحــب رســول الله وجهي ناضِرُ بحب رسول الله تزكو العناصرُ
وتحيا به في الصالحين الأواصر ونحــن به فـي كـل فــجٍ نغامـرُ
ومـطـلبنا الأقـصـى به يـتـقـرَّبُ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بقلم / عبد الرحمن محمد (ود الكبيدة)