شعوب وقبائل في أمة واحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
شعوب وقبائل في أمة واحدة
قال الله سبحانه وتعالى: "إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدونِ" الأنبياء، 93 .
إن جماعة المفسرين على أن "الأمة" هنا تعني ملة الإسلام التي جاء بها كل الرسل والأنبياء. وقال الإمام الصاوي: "والأمة في الأصل الجماعة، ثم أطلقت على الملة لأنها تستلزم الاجتماع". ولو أخذنا كلمة "أمة" على أصلها فلا بأس، ونحن اليوم نقول: "الأمة العربية".
وقال الله عز وجل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات، 13.
إننا نجد في أمة العرب قبائل عديدة، وفي القبيلة بطون وأفخاذ وبيوت. فالاتفاق من سنن الله في كونه، وهو جعل الناس من أصل واحد ذا شقين (ذكر وأنثى)؛ وجعلهم أمة واحدة. وفي ذات الوقت فالاختلاف من سنن الله وفطرته في البشر.
إن الله هو وحده الواحد الأحد، وما عداه من مخلوقاته متكثر بحاجياته الجسدية من طعام وشراب واحتياجه إلى الراحة. متكثر بنوازعه النفسية والروحية. ثم إن الإنسان في كثرة حاجيته هذه متوحد مع غيره من بني جنسه في أصولها وأساسياتها من مأكل ومشرب وملبس، ومع ذلك فهو متنوع ومتفرد بذاته في ما يشتهيه وما لا يستسيغه مما يشتهيه غيره ويستسيغه غيره من الناس.
إن هذا التنوع والاختلاف بين الناس إنما هو صائر فيما لا مشاحة فيه وما لا ضرر فيه لغيره وما لا خروج فيه عن حد لياقة تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان إذا ما راع كل فرد الالتزام بخصوصية الآخر وبعدم التعدي على الآخر بالزامه بعمل ما لا يروق له من أكل ما لا يستسيغ ولبس ما لا يحب إذا هو لبس ما يستر عورته عن أعين الناس- وهذا هو الحد الشرعي للملبس.
هذا التنوع في شأن العادات. أما في شأن الدين فتتفق الأمة بكونها ذات دين واحد ورسالة سماوية واحدة، هي الإسلام. تتفق في أصول التشريع وفي كل ما عرف من الدين بالضرورة، وتختلف في الفروع ومواضع الاجتهاد. فكما قلنا إن أمهات المسائل الدينية وأصوله هي محل اتفاق بين المسلمين. غير أنه ثمة مجال للاختلاف في الفرعيات، وتلك هي التي حدث فيها اجتهاد العلماء وقرروها على طريق القياس والاجماع والاجتهاد. وقد جاءت تشريعات لا حصر لها لم ينص عليها صراحة في القرءان (مثل عدد الصلوات في اليوم وعدد ركعاتها)، وإنما جاء في بعضها التلميح وجاءت السنة النبوية بالتنويه إلى بعضها تعريضاً لا تصريحاً، وفتحت السنة النبوية المجال للاجتهاد وجعلت لكل مجتهد أجراً وإن أخطأ حتى لا يكون خشية الخطأ سبباً في الاحجام عن الاجتهاد. وهذا من بُعد نظر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه بعث للناس كافة. والناس أمم وأجناس، شعوب وقبائل، أزمنة وأمكنة، وكل ذلك يخلق فيهم تنوعاً واختلافاً. وقد فهم الأئمة روح الدين وانفتاحه للتشريع لكافة الأمم والأزمنة والأمكنة. وهذا ما جعل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - يكون لديه اجتهاد في بعض مسائل المذهب في مصر يختلف عن اجتهاده في الشام.
بقلم عبد الرحمن ود الكبيدة
يتبع