العلم فى حياة المسلم 3 - 3
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
العلم فى حياة المسلم 3 - 3
في هذا المقال الأخير عن (العلم في حياة المسلم) نود التركيز على أهمية البحث العلمي في النهوض بالأمم. لقد لفت القرءان الكريم انتباه الإنسان إلى آيات الله في الكون، وشحذ همم البشر للبحث في هذه الآيات وذلك لتحقيق هدفين: أولهما: معرفة سنن الله في الكون، إيجاداً وإعداماً، ثواباً وعقاباً؛ قال تعالى: (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على
الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف يبدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير) العنكبوت، 19، 20؛ وقال عز وجل: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) النحل، 36. وذلك لزيادة الإيمان بالله تعالى. وثانيهما: معرفة النواميس العلمية التي أودعها الله عز وجل في هذه الطبيعة، وذلك بغية استغلال هذه القوانين وتسخيرها لخدمة الإنسان في معاشه على الأرض؛ قال تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت) الغاشية، 17، 18، 19، 20. وقال الله سبحانه وتعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلّا بسلطان) الرحمن، 33. قال في تفسير القرطبي، قاله ابن عباس رضي الله عنهما: "إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات وما في الأرض فاعلموه، ولن تعلموه إلّا بسلطان أي ببينة من الله تعالى"؛ فسبحان الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
فيتبين لنا أن العلم والبحث العلمي هو الوسيلة الناجعة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته على الأرض ثم تحقيق سعادته وفوزه في الدار الآخرة يوم الجزاء. وبهذا الفهم الإسلامي لأهمية العلم ودوره في الحياة فقد انطلق المسلمون تنقيباً في أغور المعارف البشرية فجاءوا بالعلم الغزير الذي أفادت منه أوربا على وجه الخصوص والبشرية على وجه العموم.
اهتم المسلمون منذ فجر الإسلام بالعلم، فصنفوا العلوم على نوعين رئيسين، هما:
1- العلوم النقلية: وهذه تشمل علم القراءات، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم الفقه، وعلم السير، وعلم اللغة والنحو، والأدب، والتصوف. وقد برع في هذه العلوم نوابغ العرب والمسلمين الذين منهم: علماء الصحابة، و من بعدهم .... ، أئمة الفقه الأربعة "أبو حنيفة، مالك، الشافعي، وابن حنبل"، البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجة، أبو داود، النسائي، الطبراني، الحاكم النيسابوري، الطبري، القرطبي، الصاوي، أبو الأسود الدؤلي، الخليل بن أحمد، ابن فارس، ابن جني، الحسن البصري، سفيان الثوري، الجنيد، وغيرهم ممن يضيق المجال عن ذكرهم.
2- العلوم العقلية: وهي الفلسفة، والهندسة، وعلوم الفلك، والطب، والكيمياء، والجغرافيا، والتاريخ، والموسيقى. وقد لمع في هذه المجالات علماء كثر، مثل: ابن سينا، والغزالي، وابن رشد، والفارابي، الرازي، وابن الهيثم، والكندي، وابن بطوطة، وابن خلدون، وغيرهم.
أما العلوم النقلية فقد كانت علوم أصيلة في المجتمع المسلم، فهي علوم نابعة من الدين الإسلامي، إلّا ما طرأ عليها من اختلاط بفلسفة الإغريق التي أدخلها فلاسفة المسلمين في مسائل العقيدة في علم الكلام.
غير أن العلوم العقلية هي غربية المنشأ، إسلامية الإهتمام: قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلاً لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات، 13؛ فـ (لتعارفوا) هذه هي التي شحذت همم المسلمين لكي يتصلوا ثقافياً بغيرهم من الأمم. ترجم المسلمون علوم الفرس والرومان واليونان والهند. ثم شرحوها وأضافوا إليها مفاهيم جديدة حتى ألبسوها ثياباً إسلامية وعربية كتلك التي ارتدتها الفلسفة اليونانية وعرف فرع منها بعلم الكلام الإسلامي الذي يبحث في التوحيد والعقيدة بصورة عقلية.
حدث ما حدث من تدهور الحكم الإسلامي وضعف الدولة الإسلامية وتشرذ مها، وتبع ذلك التدهور الذي شمل كل مناحي الحياة الإسلامية من ثقافية وعلمية وأخلاقية وفكرية، وهو تدور ما زلنا نعاني منه إلى يومنا هذا.
وفي الأثر: "لتنقضن عرى هذا الدين عروة عروة، أولها الحكم وآخرها الصلاة". وقد بدأ هذا النقض بمقتل الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ ساعتها وضع السيف على رقاب المسلمين، ولم يرفع عنها حتى يومنا هذا.
نسأل الله العفو والعافية، وحسن الختام. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد بدر التمام وآله وصحابته الكرام.
كتبه / عبد الرحمن ود الكبيدة